الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.(فَصْلٌ): حكمُ الإعسارِ بالنَّفَقَةِ: (وَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهَا) الْوَاجِبَةِ (أَوْ) أَعْسَرَ الزَّوْجُ (بِبَعْضِهَا) أَيْ بَعْضِ النَّفَقَةِ بِأَنْ أَعْسَرَ (عَنْ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ) فَلَهَا الْفَسْخُ وَ(لَا) تَفْسَخُ إذَا أَعْسَرَ (بِمَا زَادَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَسْقُطُ بِإِعْسَارِهِ (أَوْ) أَعْسَرَ الزَّوْجُ (بِالْكُسْوَةِ أَوْ بِبَعْضِهَا أَوْ) أَعْسَرَ (بِالسُّكْنَى أَوْ) أَعْسَرَ (بِ) الْمَهْرِ (بِشَرْطِهِ وَتَقَدَّمَ) السَّابِقُ فِي آخِرِ الصَّدَاقِ (خُيِّرَتْ عَلَى التَّرَاخِي بَيْنَ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ) أَيْ تَأْجِيلِ ثَلَاثًا خِلَافًا لِابْنِ الْبَنَّاءِ (وَبَيْنَ الْمَقَامِ) مَعَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَلَيْسَ الْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ.وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ «سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفَقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو الزِّنَادِ لِسَعِيدٍ: سَنَةً؟ قَالَ سَعِيدٌ سَنَةً» وَلِأَنَّ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْعَجْزِ بِالْوَطْءِ وَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ.(وَ) إذَا اخْتَارَتْ الْمَقَامَ فَلَهَا (تَمْكِينُهُ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ أَيْ نَفَقَةُ الْفَقِيرِ وَالْكُسْوَةُ وَالْمَسْكَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ إذَا رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ مَهْرِهَا (وَلَهَا الْمَقَامُ) عَلَى النِّكَاحِ (وَمَنْعُهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ وَلَا الْإِقَامَةُ فِي مَنْزِلِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْبِسَهَا بَلْ يَدَعَهَا تَكْتَسِبُ وَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَ الِاسْتِمْتَاعِ (فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَقَامَ) ثُمَّ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا ذَلِكَ (أَوْ رَضِيَتْ بِعُسْرَتِهِ) ثُمَّ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا ذَلِكَ (أَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَفِي نُسْخَةٍ بِهَا أَيْ بِعُسْرَتِهِ بِالنَّفَقَةِ، ثُمَّ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا ذَلِكَ (أَوْ) تَزَوَّجَتْهُ مُعْسِرًا أَوْ (شَرَطَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا، أَوْ أَسْقَطَتْ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ فَلَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَيَتَجَدَّدُ لَهَا الْفَسْخُ كَذَلِكَ.وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ نَفَقَتِهَا فِيمَا لَا يَجِبُ لَهَا كَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَكَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ الْمَهْرَ أَوْ النَّفَقَةَ قَبْلَ النِّكَاحِ.(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا قُوتَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ فَلَيْسَ بِمُعْسِرٍ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) الزَّوْجُ (يَجِدُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَا يُغَدِّيهَا وَ) يَجِدُ (فِي آخِرِهِ مَا يُعَشِّيهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا وَالْكِفَايَةُ مَوْجُودَةٌ (وَإِنْ كَانَ) الزَّوْجُ (صَانِعًا يَعْمَلُ فِي الْأُسْبُوعِ مَا يَبِيعُهُ فِي يَوْمٍ بِقَدْرِ كِفَايَتهَا فِي الْأُسْبُوعِ) فَلَا فَسْخَ لَهَا، لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهَا (أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (الْكَسْبُ فِي بَعْضِ زَمَانِهِ) فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ (أَوْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (الْبَيْعُ) فَلَا فَسْخَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِرَاضُ (أَوْ مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ أَوْ عَجَزَ عَنْ الِاقْتِرَاضِ أَيَّامًا يَسِيرَةً) فَلَا فَسْخَ لَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ، وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ (أَوْ اقْتَرَضَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا) فَلَا فَسْخَ لَهَا، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا (أَوْ تَبَرَّعَ لَهُ إنْسَانٌ بِمَا يُنْفِقُهُ) عَلَيْهَا بِأَنْ مَلَّكَهُ لَهُ ثُمَّ أَنْفَقَهُ هُوَ عَلَيْهَا (فَلَا فَسْخَ) لِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا.(وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يَطُولُ) وَتَعَذَّرَ مَعَهُ الْإِنْفَاقُ فَلَهَا الْفَسْخُ (أَوْ كَانَ) الزَّوْجُ (لَا يَجِدُ مِنْ النَّفَقَةِ إلَّا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ فَلَهَا الْفَسْخُ) لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ الْغَالِبِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِ كِفَايَتِهِ.(وَإِنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا فَبَذَلَهَا غَيْرُهُ لَمْ تُجْبَرْ) عَلَى قَبُولِهَا مِنْ غَيْرِهِ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْمِنَّةِ (إلَّا إنْ مَلَكَهَا الزَّوْجُ) ثُمَّ دَفَعَهَا الزَّوْجُ لَهَا (أَوْ دَفَعَهَا) إلَيْهَا (وَكِيلُهُ) فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمِنَّةَ إذَنْ عَلَى الزَّوْجِ دُونَهَا (وَكَذَا مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ رَبُّهُ) أَيْ الدَّيْنَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ لِلْمَدِينِ ثُمَّ دَفَعَهُ الْمَدِينُ أَوْ وَكِيلُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أُجْبِرَ (وَتَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ إنْ أَتَاهَا) الزَّوْجُ (بِنَفَقَةٍ حَرَامٍ لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا) بَلْ لَمْ يَجُزْ لَهَا تَنَاوُلُهَا (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْمُكَاتَبِ وَيُجْبَرُ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ) لِيُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ.(وَإِنْ أَعْسَرَ) الزَّوْجُ (بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ) فَلَا فَسْخَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهَا الصَّبْرُ عَنْهَا (أَوْ) أَعْسَرَ بَ (النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ) فَلَا فَسْخَ كَالصَّدَاقِ إذَا أَعْسَرَ بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ (أَوْ) أَعْسَرَ بِ (نَفَقَةِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ أَوْ) أَعْسَرَ ب (الْإِدَامِ فَلَا فَسْخَ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهَا الصَّبْرُ عَنْهُ (وَتَبْقَى النَّفَقَةُ) أَيْ نَفَقَةُ الْخَادِمِ وَالنَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ.(وَ) يَبْقَى (الْإِدَامُ) دَيْنًا (فِي ذِمَّتِهِ) لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَتَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِلْمَرْأَةِ قُوتًا وَهَذَا فِيمَا عَدَا الزَّائِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَلَعَلَّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بَعْدُ وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى فَلَا.(وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِيفَائِهِ) وَالْإِنْفَاقِ مِنْهُ (فَكَمُوسِرِ) لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ الْفَسْخُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْفَاقِ (وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ) مِنْ اسْتِيفَائِهِ لِجَحْدٍ أَوْ مَطْلٍ وَنَحْوِهِمَا (فَكَمُعْسِرٍ) لِزَوْجَتِهِ الْفَسْخُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَيْهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَيْهَا بِدَيْنِهِ مَكَانَ النَّفَقَةِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً) بِالدَّيْنِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا إذَنْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُوسِرَةً (فَلَا) يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِدَيْنِهِ مِنْ نَفَقَتِهَا، لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا فَضُلَ عَنْ الْكِفَايَةِ.(وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَرَضِيَتْ أَوْ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ أَوْ) زَوْجُ (الْمَجْنُونَةِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِنَّ الْفَسْخُ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لَهُنَّ فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَلِيُّ الْفَسْخَ كَالْفَسْخِ لِلْعَيْبِ وَقَالَ الْقَاضِي لِسَيِّدِهَا: الْفَسْخُ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ..(فَصْلٌ): مَنَعُ الزَّوْجِ الْمُوسِرِ النفقة: (وَإِنْ مَنَعَ زَوْجٌ مُوسِرٌ) (أَوْ) مَنَعَ (سَيِّدُهُ إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (عَبْدًا كُسْوَةً أَوْ بَعْضَهَا، وَقُدِّرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ وَلَوْ مِنْ عَيْنِ جِنْسِ الْوَاجِبِ أَخَذَتْ) الزَّوْجَةُ مِنْهُ أَيْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، أَوْ مَالِ سَيِّدِهِ (كِفَايَتَهَا وَكِفَايَةَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ عُرْفًا وَنَحْوَهُ) كَالْوَلَدِ الْمَجْنُونِ وَالْخَادِمِ (بِالْمَعْرُوفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ-- حِينَ قَالَتْ لَهُ «: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي--: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا بَعْضَ الْكِفَايَةِ وَلَا يُتِمُّهَا لَهَا فَرَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا غِنًى عَنْهَا وَلَا قَوَامَ إلَّا بِهَا وَلِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَحَدِيثُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ» إلَخْ، مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ هِنْدٍ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّفَقَةِ.(وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) عَلَى أَخْذِ كِفَايَتِهَا وَكِفَايَةِ وَلَدِهَا مِنْ مَالِهِ (أَخْبَرَهُ الْحَاكِمُ) إذَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ عَلَى كِفَايَتِهَا وَكِفَايَةِ وَلَدِهَا وَنَحْوِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ) ذَلِكَ (حَبْسَهُ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ وُضِعَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَالْحَبْسُ طَرِيقٌ إلَى الْفَصْلِ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ (فَإِنْ صَبَرَ) الزَّوْجُ (عَلَى الْحَبْسِ وَقَدَرَ الْحَاكِمُ عَلَى مَالِهِ أَنْفَقَ مِنْهُ) عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ وَجَبَ الدَّفْعُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنْ مَالٍ خَصَمَهُ كَالدَّيْنِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَخْذِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ.(فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْحَاكِمُ (لَهُ عَلَى مَال يَأْخُذُهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ) الْحَاكِمُ (عَلَى النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ وَلَمْ يَجِدْ) الْحَاكِمُ (إلَّا عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا بَاعَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ فَيَدْفَعُ) الْحَاكِمُ (إلَيْهَا نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ) كَالنَّقْدَيْنِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدًا وَلَا عَرَضًا وَلَا عَقَارًا (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِتَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ كَحَالِ الْإِعْسَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ.وَلَوْ فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ الزَّوْجَةِ لِفَقْدِ مَالِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ يُنْفَقُ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَالٌ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْفَسْخِ وَعَدَمُ نَقْضِهِ، لِأَنَّ نَفَقَتَهَا إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا وَأَمَّا مَا كَانَ غَائِبًا عَنْهَا لَا عِلْمَ لَهَا بِهِ فَلَا تُكَلَّفَ الصَّبْرَ لِاحْتِمَالِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ، لِأَنَّ الْمَاءَ فِي قَبْضِهِ وَيَدِهِ وَنِسْيَانُهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَقْصِيرٍ وَتَفْرِيطٍ بِخِلَافِ هَذِهِ قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا.(وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ إذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ) قُلْتُ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ (فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ) لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ أَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي الْبَابِ بَعْدَهُ) وَحُكْمُ وَكِيلِهِ حُكْمُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْأَخْذِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.(وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (نَفَقَةً وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَالٍ لَهُ وَلَا) عَلَى اسْتِدَانَةٍ (وَلَا) عَلَى (الْأَخْذِ مِنْ وَكِيلِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَيْهِ) لَمْ أَجِدْ الْكِتَابَةَ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ بَلْ الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَعَمِلَ قُضَاتُنَا عَلَى عَدَمِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا إفْتَاءُ مَشَايِخِنَا (فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ) قُلْت أَوْ عُلِمَ إذْ لَمْ نَرَ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا الْقَيْدَ (وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ كَمَا تَقَدَّمَ) بِالِاسْتِدَانَةِ وَعَدَمِ الْوُصُولِ، إلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِأَنَّهَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى نَفَقَتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً أَوْ قَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ عَلَى الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ لَهَا، لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ (وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَافْتُقِرَ إلَى الْحُكْمِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ (فَيَفْسَخُ) الْحَاكِمُ (بِطَلَبِهَا) لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا فَلَا يَسْتَوْفِيه إلَّا بِطَلَبِهَا (أَوْ تَفْسَخُ) هِيَ (بِأَمْرِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (وَفَسْخُ الْحَاكِمِ تَفْرِيقٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ) قُلْتُ وَكَذَا فَسْخُهَا بِأَمْرِهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ.(وَمَنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ لِامْرَأَتِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مُدَّةً لَمْ تَسْقُطْ) النَّفَقَةُ كَالدَّيْنِ (وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ وَكَانَتْ) النَّفَقَةُ (دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) وَتَقَدَّمَ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ النَّفَقَةِ مَا وَجَبَ مِنْهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) كَضَمَانِ السُّوقِ (وَتَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ وَالصَّدَاقِ).(تَتِمَّةٌ) قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إذَا ثَبَتَ عِنْد الْحَاكِمِ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَمَبْلَغُ الْمَهْرِ فَإِنْ عُلِمَ مَكَانُهُ كُتِبَ إنْ سَلَّمْتَ إلَيْهَا حَقَّهَا وَإِلَّا بِعْتُ عَلَيْكَ بِقَدْرِهِ فَإِنْ أَبَى أَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ بَاعَ بِقَدْرِ نَصْفِهِ لِجَوَازِ طَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ..(بَاب نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ وَالْبَهَائِمِ): وَالْمُرَادُ بِالْأَقَارِبِ مِنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ كَمَا يَأْتِي فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْعَتِيقُ (تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ.(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا نَفَقَةُ (وَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ (أَوْ بَعْضِهَا) أَيْ لَوْ وَجَدَ وَالِدُهُ أَوْ وَلَدُهُ بَعْضَ النَّفَقَةِ وَعَجَزُوا عَنْ إتْمَامِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إكْمَالُهَا لِمَا سَبَقَ (حَتَّى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا وَوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا (وَلَوْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ) كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ أَب مُعْسِرٍ، وَكَابْنٍ مُعْسِرٍ وَابْنِ ابْنٍ مُوسِرٍ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُوسِرِ فِي الْمِثَالَيْنِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ مَحْجُوبًا، لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً قَوِيَّةً تُوجِبُ الْعِتْقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ فَأَشْبَهَ الْقَرِيبَ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِمَنْ ذُكِرَ (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ (مِنْ حَلَالٍ) لَا مِنْ حَرَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّوْجَةِ (إذَا كَانُوا) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ (فُقَرَاءَ) فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ.(وَلَهُ) أَيْ الْمُنْفِقِ (مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا عَنْ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَرَقِيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَ) عَنْ (كُسْوَتِهِمْ وَسُكْنَاهُمْ مِنْ مَالِهِ وَأُجْرَةِ مِلْكِهِ وَنَحْوِهِ) كَتِجَارَتِهِ (أَوْ مِنْ كَسْبِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«ابْدَأْ بِنَفْسِكِ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَاجِ كَالْبِرِّ وَ(لَا) يَجِبُ الْإِنْفَاقُ- عَلَى مَنْ ذُكِرَ- (مِنْ أَصْلِ الْبِضَاعَةِ) الَّتِي يَتَّجِرُ بِهَا.(وَ) لَا مِنْ (ثَمَنِ الْمِلْكِ وَآلَةِ الْعَمَلِ) لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِذَلِكَ لِفَوَاتِ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ قُوتَهُ وَقُوتَ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا (وَيُجْبَرُ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ) مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ إذَنْ لِأَنَّ كَسْبَهُ الَّذِي يَسْتَغْنِي بِهِ كَالْمَالِ.(وَيَلْزَمُهُ) أَيْضًا (نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُ) أَيْ: سِوَى عَمُودِيِّ النَّسَبِ سَوَاءٌ وَرِثَهُ الْآخَرُ كَأَخِيهِ (أَوْ لَا كَعَمَّتِهِ وَعَتِيقِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ وَنَحْوِهِ) كَبِنْتِ عَمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ ثُمَّ عُطِفَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْوُجُوبِ.(فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ) وَهُمْ مَنْ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ (مِنْ غَيْرِ عَمُودِيِّ النَّسَبِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ) لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِمْ، وَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ الرَّدّ عَلَيْهِمْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْوُجُوبَ، لِأَنَّهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ عَامٌّ.(وَيَتَلَخَّصُ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ) عَلَى الْقَرِيبِ (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِمْ فُقَرَاءَ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا كَسْبَ يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنْ إنْفَاقِ غَيْرِهِمْ) وَالْكُسْوَةُ وَالسَّكَنُ كَالنَّفَقَةِ وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ فَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا فَلَا نَفَقَةَ (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِمْ (مُوسِرِينَ بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَكْفِيهِمْ فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ وَجَبَ إكْمَالُهَا وَتَقَدَّمَ.(الثَّانِي أَنْ تَكُونَ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ) مِنْهُ (فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ) وَزَوْجَتِهِ وَقَنِّهِ كَمَا سَبَقَ (إمَّا مِنْ مَالِهِ وَإِمَّا مِنْ كَسْبِهِ، فَمَنْ لَا يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مُوَاسَاةً وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إذَنْ (الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ وَارِثًا) لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ (إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَمُودِيِّ النَّسَبِ) أَمَّا عَمُودًا النَّسَبِ فَتَجِبُ وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَعَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ الْمُعْسِرِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَعَلَى إخْوَتِهِ الصِّغَارِ.(وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَلَوْ حَمْلًا وَارِثٌ غَيْرُ أَبٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ) عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْإِرْثِ) فَيَجِبُ أَنْ يُرَتَّبَ الْمِقْدَارُ عَلَيْهِ (فَأُمٌّ وَجَدٌّ) لِأَبٍ (عَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ (وَجَدَّةٌ وَأَخٌ) لِغَيْرِ أُمٍّ أَيْ شَقِيقٍ أَوْ لِأَبٍ (عَلَى الْجَدَّةِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ) كَإِرْثِهِمَا لَهُ (وَأُمٌّ وَبِنْتٌ) النَّفَقَةُ (بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا) كَمَا يَرِثَانِهِ فَرْضًا وَرَدًّا (وَابْنُ وَبِنْتٌ) النَّفَقَةُ (بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ) أَيْ الْوَارِثُ (مُوسِرًا لَزِمَهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) لِأَنَّ الْمُوسِرَ مِنْهُمَا إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ يَسَارِ الْآخَرِ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْغَيْرُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمُودِيِّ النَّسَبِ) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ كُلُّهَا عَلَى الْمُوسِرِ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ.(وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى) السَّابِقِ (حِسَابُ النَّفَقَاتِ) يَعْنِي أَنَّ تَرْتِيبَ النَّفَقَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، فَكَمَا أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ مِنْ الْمِيرَاثِ كَذَلِكَ عَلَيْهَا السُّدُسُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ أَوْ بِنْتٌ وَأَخٌ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٌ فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ رَدًّا أَوْ عَوْلًا أَوْ لَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّفَقَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (أَبٌ فَيَنْفَرِدُ بِالنَّفَقَةِ) بِالْمَعْرُوفِ (وَأُمُّ أُمٍّ وَأَبُو أُمٍّ الْكُلُّ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ) لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ بِخِلَافِ أَبِي الْأُمِّ.(وَمَنْ لَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا) أَمَّا الِابْنُ فَلِعُسْرَتِهِ، وَأَمَّا الْأَخ فَلِعَدَمِ مِيرَاثِهِ (وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدَّةِ) الْمُوسِرَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ (وَكَذَا أَبٌ فَقِيرٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ) النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ (وَأَبَوَانِ وَجَدٌّ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ عَلَى الْأُمِّ) الْمُوسِرَةِ (ثُلُثُ النَّفَقَةِ) لِأَنَّهَا تَرِثُ الثُّلُثَ (وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) لِأَنَّهُ يَرِثُهُ كَذَلِكَ لَوْلَا الْأَبُ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجَةٌ فَكَذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ بَلْ نَفَقَتُهَا تَابِعَةٌ لِنَفَقَتِهِ (وَأَبَوَانِ وَأَخَوَانِ وَجَدٌّ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَخَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ وَلَيْسَا مِنْ عَمُودِيِّ النَّسَبِ وَيَكُونُ عَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ) مِنْ النَّفَقَةِ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ السُّدُسُ فَقَطْ كَالْإِرْثِ لِحَجْبِ الْأَخَوَيْنِ لَهَا عَنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَا مَحْجُوبَيْنِ بِالْأَبِ (وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَخَوَانِ.(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ جَدٌّ فَالنَّفَقَةُ كُلُّهَا عَلَى الْأُمِّ) وَحْدَهَا دُونَ الْأَبِ لِعُسْرَتِهِ وَدُونَ الْإِخْوَةِ لِحَجْبِهِمْ.(وَتَجِبُ نَفَقَةُ مِنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا وَلَوْ) كَانَ (مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ)«لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا وَلَا صَحِيحًا، وَلِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى قَرِيبِهِ أَشْبَهَ الزَّمِنَ فَإِنْ كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ تُعِينُهُ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ لَا تَجِبُ إلَّا مَعَ الْفَقْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِرْفَةُ يَحْصُلُ بِهَا غِنَاهُ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِكْمَالُ.(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُنْفِقَ (خِدْمَةُ قَرِيبٍ) وَجَبَتْ نَفَفْتُهُ فَيَخْدُمُهُ (بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِحَاجَةٍ) إلَى الْخِدْمَةِ (كَزَوْجَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ.(وَيَبْدَأُ) مَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ مَا يَكْفِي جَمِيعَ مِنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ (بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ) لَحَدِيثِ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» (فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ نَفَقَةُ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ بَدَأَ بِامْرَأَتِهِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ (ثُمَّ بِرَقِيقِهِ) لِأَنَّ نَفَقَته تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ (ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) لِحَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» أَيْ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَبِرٌّ وَمَنْ قَرُبَ أَوْلَى بِالْبِرِّ مِمَّنْ بَعُدَ يُبْدَأُ بِالْعَصَبَةِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ (ثُمَّ التَّسَاوِي) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ.(وَإِنْ فَضُلَ عَنْهُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا لَزِمَهُ بَذْلُهُ) لِمَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ لِحَدِيثِ:«إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ قُدِّمَ الْأَبُ) عَلَى الْأُمِّ لِفَضِيلَتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ (ابْنٌ قَدَّمَهُ عَلَيْهِمَا) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الِابْنُ أَحَقُّ بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ (وَقَالَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ الْأَبَوَانِ وَالِابْنُ إنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا قُدِّمَ) لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّهُ عَاجِزٌ.(وَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا وَالْأَبُ زَمِنًا فَهُوَ) أَيْ الْأَبُ (أَحَقُّ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ وَحَاجَتَهُ أَشَدُّ (وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ) لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ (وَإِنْ كَانَ أَبٌ وَجَدٌّ أَوْ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ قُدِّمَ الْأَبُ وَالِابْنُ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ (وَيُقَدَّمُ جَدٌّ عَلَى أَخٍ) لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةَ الْوِلَادَةِ وَالْأُبُوَّةِ (وَأَبٌ عَلَى ابْنِ ابْنٍ) لِقُرْبِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إرْثُهُ بِحَالٍ.(وَ) يُقَدَّمُ أَبُو أَبٍ عَلَى أَبِي أُمٍّ لِامْتِيَازِهِ بِالْعُصُوبَةِ (وَ) الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ (مَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ يَسْتَوِيَانِ) لِأَنَّ أَبَ الْأُمِّ امْتَازَ بِالْقُرْبِ وَأَبَا أَبِي الْأَبِ امْتَازَ بِالْعَصَبَةِ فَتَسَاوَيَا لِذَلِكَ.(وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا (يَأْخُذُ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ إذْنِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ لِزَوْجَةٍ) نَقَلَ ابْنَاهُ وَالْجَمَاعَةُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ بِلَا إذْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ إذَا احْتَاجَ وَلَا يَتَصَدَّقُ (وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ).وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ لِقَرِيبٍ (مَعَ اخْتِلَافِ دِينٍ) أَيْ إذَا كَانَ دِينُ الْقَرِيبَيْنِ مُخْتَلِفًا فَلَا نَفَقَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا وَلَا وِلَايَةَ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا (إلَّا بِالْوَلَاءِ) لِثُبُوتِ إرْثِهِ مِنْ عَتِيقِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ (أَوْ بِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ) فَتَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.(وَمَنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ) أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي بِدُونِهَا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ (إلَّا إنْ فَرَضَهَا حَاكِمٌ) لِأَنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِفَرْضِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (أَوْ اسْتَدَانَ بِإِذْنِهِ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ فُرِضَتْ إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ.(لَكِنْ لَوْ غَابَ زَوْجٌ فَاسْتَدَانَتْ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ رَجَعْت) بِمَا اسْتَدَانَتْهُ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَوْلَادُهَا لِأَنَّ وَلَاءَهُمْ حِينَئِذٍ لِمَوْلَى أَبِيهِمْ فَهُوَ الْوَارِثُ لَهُمْ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ.(فَإِنْ) (أَعْتَقَهُ أَبُوهُمْ) أَيْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ (فَأَنْجَزَ الْوَلَاءَ إلَى مُعْتِقِهِ) كَمَا مَرَّ فِي الْوَلَاءِ (صَارَ وَلَاؤُهُمْ لِمُعْتِقِ أَبِيهِمْ وَنَفَقَتُهُمْ) عِنْدَ عَدَمِ أَبِيهِمْ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَوْلَاهُمْ الْوَارِثُ لَهُمْ.(وَلَيْسَ عَلَى الْعَتِيقِ نَفَقَة مُعْتِقِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الْآخَرِ) وَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُهُ فِي الْوَلَاءِ (فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عَتِيقًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُعْتِقًا كَمَا يَرِثُهُ.كَذَلِكَ (لَيْسَ عَلَى الْعَبْد نَفَقَةُ وَلَدِهِ حُرَّةً كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَمَةً) لِأَنَّ أَوْلَادَ الْحُرَّةِ أَحْرَارٌ وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ الْحُرِّ لِمَا يَأْتِي، وَأَوْلَادُ الْأَمَةِ عَبِيدٌ لِسَيِّدِهَا فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ (وَلَا نَفَقَةَ أَقَارِبِهِ الْأَحْرَارِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَالزَّكَاةِ (وَنَفَقَةُ أَوْلَادِ الْمُكَاتَبِ وَالْأَحْرَارِ وَ) نَفَقَةُ (أَقَارِبِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَحَاجَتُهُ إلَى فَكِّ رَقَبَتِهِ أَشَدُّ (وَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَكَسْبُهُ لَهُ (وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ حُرَّةً فَنَفَقَةُ أَوْلَادِهَا عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَانْفَرَدَتْ، لِأَنَّهَا الْوَارِثَةُ لَهُمْ دُونَهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَقَارِبُ أَحْرَارٌ كَجَدٍّ وَأَخٍ مَعَ أُمٍّ أَنْفَقَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسَبِ مِيرَاثِهِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْمُعْدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّفَقَةِ) وَالْإِرْثِ وَالْحَجْبِ (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (مُكَاتَبَةً فَسَيَأْتِي) فِي نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ الْكَلَامُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ (فَإِنَّ أَرَادَ الْمُكَاتَبُ التَّبَرُّعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أَمَةٍ) لِغَيْرِ سَيِّدِهِ (أَوْ) مِنْ (مُكَاتَبَةٍ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ أَوْ) مِنْ (حُرَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَلَا يَتَبَرَّعُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَإِنْ كَانَ) وَلَد الْمُكَاتَبِ (مِنْ أَمَةٍ لِسَيِّدِهِ جَازَ) لِلْمُكَاتَبِ التَّبَرُّعُ بِنَفَقَةٍ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَلَمْ يَتَبَرَّعْ لِأَجْنَبِيٍّ وَ(لَا) يَتَبَرَّعُ بِنَفَقَةِ (وَلَدِهِ مِنْ مُكَاتَبَةٍ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّ نَفَقَةَ وَلَدِهَا عَلَيْهَا فَتَبَرُّعُهُ بِنَفَقَتِهِ تَبَرُّعٌ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّهِ.
|